السؤال:هل إقامة الحد علي من ارتكب ذنباً يعفيه من عقاب الآخرة. وماذا لو لم يقم عليه الحد؟
** يجيب الشيخ اسماعيل نورالدين من علماء الأزهر: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "بايعوني علي ألا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا".. "الحديث" إلي أن قال: "ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له.
ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلي الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه علي ذلك" "رواه البخاري".
قوله صلي الله عليه وسلم: "ومن أصاب" أي ارتكب شيئاً من هذه المحظورات غير الشرك "فعوقب في الدنيا" وذلك بإقامة الحد عليه.
فقطع يد السارق ويجلد أو يرجم الزاني فهو -أي العقاب- "كفارة له" قيل ولو لم يتب. وقيل كفارة بشرط التوبة. بخلاف المرتد لو قتل علي ردته لا يكون قتله كفارة له بل قتله كفرا.
وأما قوله صلي الله عليه وسلم "فهو إلي الله" أي متروك إلي الله وتحت مشيئته التي لا سلطان لأحد عليها.
نقول: هل الحدود تكفر الذنوب أو هي زواجر فقط. ويعذب المحدود علي ما ارتكب في الآخرة. قال بعض العلماء إنها تكفر الذنوب بهذا الحديث وبحديث ماعز والغامدية حيث طلب كل منهما الحد بقوله: "طهرني". واستدل علي من قال إنها زواجر بآية: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم" "المائدة 33".
قال الشافعي ومالك وأبوثور وغيرهم هذه الآية فيمن خرج من المسلمين بقطع السبيل ويسعي في الأرض بالفساد. وبالجمع بين الآية والحديث أن الحدود تكفر الذنوب إذا اقترن بها توبة. فالحدود مع التوبة وقبول النفس للحد والرضا به يكفر الذنب. وتكون الآية فيمن أقيم عليه الحد. ولم يكن علي هذا الحال من التوبة والرضا. وكان يتمني الإفلات من يد الحاكم. أما من رضيت نفسه عن الحد ولو بعد تنفيذه.
واطمأن بأن الله أنقذه به من عذاب أشد فهو ناج مكفر ذنبه بقي أن يقال: إن الحدود إنما تكفر الذنوب المتعلقة بحق الله تعالي: أما المتعلقة بحق العبد فلا. كمن سرق مالا وأنفقه وليس لديه ما يوفي منه.
فإذا قطعت يداه فإن ذلك يكفر حق التعدي علي حد الله أما حق المسروق ماله فيستوفيه منه يوم القيامة إذا لم يكرمه بتحمله عنه.
وأما من لم يعاقب في الدنيا بإقامة الحد عليه في ذنب يستوجب الحد فأمره إلي الله تعالي إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه.
وذلك كما جاء في الحديث: "من أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلي الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه".